إن مرور نهر العاصي وسط مدينة حماة وانتشار المساحات الخضراء الواسعة على ضفافه واعتدال الطقس والطبيعة الساحرة التي تمتاز بها مدينة حماة جعلت البيئة ملائمة لإقامة الانسان منذ قرون طويلة وذلك عكس على واقع وطبيعة البيت الحموي الذي يمثل حديقة غناء توفر للقاطن الراحة والحياة الرغيدة.
حيث أن البحرات ونوافير المياه التي زينت معظم البيوت الحموية القديمة كانت المياه تصل لها عن طريق جر مياه الشرب والري من نهر العاصي الى المنازل وكانت اما بقنوات تمر تحت هذه المنازل او ضمن جدرانها عبر قساطل فخارية .
بيت طيفور
عندما تنظر الى البيوت الحموية القديمة تكتشف العلاقة الجدلية والمتينة التي تربطها مع الطراز المعماري لباقي المباني والبيوت في باقي المدن السورية الاخرى , والتي تبدو بشكل واضح في البيوت الدمشقية المتميزة بكثرة الخضرة ووجود الاشجار زالزخور والنباتات العطرية بمختلف ألوانها واشكالها وروائحها .
غير ان اغلب البيوت الحموية كانت نقوشها وزخارفها أقل صنعة وتكلفة من مثيلاتها الدمشقية وهذا يعود الى الفارق الكبير بين الوضع المعاشي والمادي بين أهالي المدينتين .
إن البيوت الحموية القديمة كمعظم البيوت العربية المنتشرة في بلاد الشام يتم الولوج اليها عبر مم منكسر لضمان خصوصية عزل فنائها الداخلي عن الوسط الخارجي للوصول الى الباحة السماوية التي تعد من أهم مكونات واقسام البيت الحموي ففيها تمارس أغلب نشاطات المعيشة اليومية كما أنها تستضيف أجمل الجلسات العائلية والمناسبات بمخالف أنواعها .
غالباَ ما توجد أدراج وسلالم حجرية تربط الغرف السفلية والعلوية وهذه الأخيرة جرت العادة على تسميتها بالعلية باعتبارها أعلى من باقي الغرف أو اسم المشرقة كونها أول قسم في البيت يستقبل شروق الشمس علاوة على اطلالتها بشكل مباشر على المحيط الخارجي للبيت .
بيت طيفور
حرص المواطن الحموي في الماضي على ان تكون جدران بيته بسماكات كبيرة بما يضمن العزل المناخي والبيئي والصوتي له ولكي يحقق أعلى مستويات الهدوء والسكينة داخله , كما ان جميع نوافذ الغرف كانت واسعة وتطل على الفناء الداخلي للبيت في حين ان النوافذ الخارجية كانت صغيرة الحجم ومرنفعة بهدف تأمين مجرى هوائي جيد اضافة الى حجب الرؤية من الخارج باتجاه فناء البيت .
بيت طيفور
وما يميز العمارة الحموية وجود مصادر انتاج الحجارة الكلسية البيضاء في مواقع قريبة ومحيطة لمدينة حماة حيث كان يتم تزيين هذه الحجارة وزركشتها بتطعيمها بالحجارة السوداء التي كانت تجلب من منطق بعيدة وتستخدم في كسر المسطحات البيضاء الواسعة,وهذه خاصية وميزة لا تشاهد غالباَ الا في البيوت الحموية القديمة مقارنة مع باقي المباني المعمارية في المدن السورية الاخرى .
بيت الكيلاني
علاقة الانسان الحموي بالطبيعة المحيطة به تجسدت بكثافة المزروعات داخل بيته سعياَ وراء تأمين وسط بيئي قريب من الجمال الأخاذ والمناظر والحدائق الطبيعية المحيطه به على ضفاف نهر العاصي والبساتين المجاورة .
فقد كانت البيوت الحموية القديمة تذخر بالاشجار المثمرة كالكباد والنارنج والبرتقال والليمون والشجيرات العطرية كالقرنفل والورد والفل والياسمين والزنبق الى جانب شجرة العنب والتي تسمى باللهجة المحلية ( الدالية ) التي نؤمن مساحات واسعة من الظل في فناء البيت الحموي ودخولها في العديد من الأكلات الحموية الشعبية والشهيرة كاليبرق واليالنجي علاوة على ما تمنحه هذه الشجرة من ثمار الحصرم الحامض والعنب الحلو ذو الطعم اللذيذ .
يذكر أن عدد البيوت الحموية المسجلة في دائرة حماة القديمة يبلغ نحو 1500 بيت موزعة في بعض الاحياء الاثرية كحي سوق الشجرة وحي الدباغة والطوافرة والباشورة والبرازية والمدينة والبارودية وتتفاوت مساحتها وجماليتها وزخرفتها , حيث تشكل أحد أهم رموز وملامح الهوية الحضارية والثقافية لمدينة حماة وشاهداَ حياَ على عراقة واصالة أهلها وأنماط معيشتهم وسكنهم والتي كانت سائدة في الماضي .
وهذه مجموعة من الصور للبيوت الحموية القديمة :
بيت قياسة
بيت قياسة
بيت العظم
بيت قياسة
بيت طيفور
بيت الراعي
بيت الكيلاني
بيت قياسة
بيت الأرناؤوط